كلّ واحد من الناس يحاول منذ نعومة أظفاره في جميع حقول حياته ، أن يكون
ناجحاً في أعماله ، موفّقاً في أفعاله ، متفوّقاً على أقرانه ، متميّزاً
بين أصحابه ، سعيداً في حياته ، رغيداً في عيشه ، فمنذ الصغر يفكّر
الإنسان كيف ينجح في عمله وحياته الفردية والاجتماعية ، فيبذل ما في جهده
وطاقته ليحوز على النجاح الباهر ، وربما يخسر المعركة وربما يفوز ، فهو
دائماً بين اليأس والأمل ، وربما يبتلى بالقلق والاضطراب ، وأخيراً :
الخيبة والرسوب ، وربّما يُقدم على الانتحار لضعف همّته ، ولكن النجاح
الأكيد يكمن في عوامل لو التزم بها الإنسان ، وجعلها نصب عينيه ، لنجح في
حياته ، ولنال ورقة النجاح وضمن ذلك منذ البداية ، وأهمّ عوامل النجاح في
حياتك ، كما في علم النفس ، فهو كما يلي :
أوّلا :
أن تعرف ذوقك واستعدادك الذي أودعه الله في جبلتك وباطنك ، ولا بدّ لك
أن تكشف ذلك مهما كلّف الأمر ، فلو ملكت قوّة الرسم ووجدت في نفسك أ نّه
يمكنك أن تكون رسّاماً قديراً ، وعندك موهبة ( فنّ الرسم ) واستعداده ،
فحينئذ لا تتعب نفسك في الدخول في سلك الاُدباء والشعراء ، لو لم تملك
القريحة الشعرية ، فإنّه ضياع للجهود ، ولن تنال السبق في وادي الشعر.
وإذا كنت تملك في نفسك حرفة صناعية ، أو وجدت ذلك في ولدك أو تلميذك ،
فلا تتعب النفس حينئذ بتعليمها الفلسفة والمفاهيم العقلية الثقيلة ،
فإنّك وإن تعلّمتها ، إلاّ أ نّك لا تفوق الآخرين ولا تنال النجاح
الباهر ، فإنّك خلقت لشيء آخر ، كما نقف على هذا المعنى دليلا وشاهداً
وشهوداً من خلال مطالعة حياة عظماء العالم ، وعباقرة الناس ، ونوابغ
العلوم والفنون.
ثانياً :
العمل الكثير الدؤوب والمستمرّ ، فليس للإنسان إلاّ ما سعى ، وبقاء
ناموس الحياة على قانون الجهد والعمل ، فما أروع مقولة ( الكسندر
هاميلتين ) نابغة عصره حينما قال : « يقولون إنّك نابغة ، ولكن لا أعلم
من نبوغي شيئاً ، إنّما أنا رجلٌ أعمل ».
وعظماء الدنيا على الإطلاق إنّما حازوا السبق ، وتربّعوا على عرش النجاح
بعملهم وجهدهم المتواصل إلى آخر لحظة من حياتهم ، فهذا أبو ريحان
البيروني يتعلّم مسألة فقهيّة في آخر لحظة ، ويقول : أموت عالماً بهذه
المسألة أفضل من أن أموت جاهلا بها ، وإليك ابن سينا وابن رشد ، وهذا
أديسون ، وذاك باستور ، ومئات من الشخصيّات الاجتماعية الفذّة في الشرق
والغرب ، كانوا أهل عمل وتفكير وتخطيط في الحياة ، حتّى في السجون
والظروف الصعبة والحرجة ، فالسعادة والنجاح تطرق باب الساعي المجدّ
والمجتهد ، وعلى المرء أن يسعى فإنّ اليوم يوم عمل وغداً الحساب.
ثالثاً :
الإيمان بالهدف ، فإنّه المحرّك الباطني الذي يدفع الإنسان نحو التقدّم
والازدهار ، والمؤمن بالهدف يسهل عليه تحمّل المصاعب والمشاكل في مسيره ،
ولا تعيقه العوائق ، ولا يخاف من قول حذار ، ولا يبالي بما قيل ويقال من
الافتراء والكذب والتهمة ، فإنّه يعتقد بسير عربته وأ نّه في الشارع
المستقيم والطريق القويم ، فلا يهمّه نباح الكلاب كما جاء في المثل : «
عربته تسير والكلاب تنبح » ويفدي النفس والنفيس من أجل الوصول إلى المراد
والمقصود ، وحتّى نهاية المطاف والهدف ، وربما تكون الأهداف مقطعيّة لا
بدّ أن يطويها حتّى يصل إلى قمّة أهدافه في الحياة ، ولكلّ امرء ما نوى ،
وقُل : كلّ يعمل على شاكلته.
رابعاً :
الصبر والاستقامة ، فإنّ ذلك من أهمّ عوامل النجاح ، وهو رمز الموفّقية
في العمل ، وإنّ الصبر أساس الأخلاق الحميدة ، وإنّ التوفيق في الحياة
والنجاح في العمل ، منه قريب ومنه بعيد وطويل المدى ، فلا بدّ من
المقاومة والصبر ، كما أنّ النبوغ على قسمين : سريع وبطيء ، فكذلك
التوفيق والنجاح بعيد وقريب ، فإنّ السكّاكي معلّم البلاغة صاحب كتاب
مفاتيح العلوم ، لولا استقامته وصبره في طلب العلم لما فاق أقرانه وشاع
صيته ، فالاستقامة عنصر مهمّ لمن طلب النجاح سيّما من كان في مقام إصلاح
المجتمع وقيادته ، فقد قال الله تعالى لنبيّه الأكرم في القرآن الكريم :
«اسْتَقِمْ كَما اُمِرْتَ» (1) .
خامساً :
التمركز الفكري ، فإنّ قطرات المطر لو انضمّت بعضها مع بعض ، وجمعت في
مكان ، لجرى الماء وأصبحت نهراً ، ثمّ شطّاً ، ثمّ بحراً ، وإلاّ فإنّ
الأرض تبتلع القطرات المتناثرة.
كذلك الأفعال الفكريّة والأعمال البدنيّة ، فإنّ التمركز الفكري يفتح
آفاقاً جديدة للإنسان في ميادين العمل ، ويحلّ المشاكل ، ويزيل العوائق
في طريق الموفّقية.
فالدقّة من أهمّ العوامل في حياة المخترعين والمكتشفين ، وإنّ الاختلال
الفكري ممّـا يحطّم المرء في حياته ، وقد سئل نيوتن المكتشف الكبير : كيف
وصلت إلى تلك الاكتشافات الجمّة ؟ فأجاب : بالتأمّل المستمرّ.
سادساً :
النظم والانضباظ في الحياة ، فإنّ العالم الناسوتي بل الوجود كلّه
يتأطّر بإطار النظم ، فالنظام هو الحاكم على الكون ، فمن المجرّات
السماويّة وإلى الكواكب السيّارة ، وحتّى الذرّات الصغيرة ، مسوّرة
بالنظم ، ونظام العالم أعظم معلّم ومربّي لحياتنا اليومية. وعن أمير
المؤمنين عليّ ( عليه السلام ) في آخر وصيّته لولديه الحسن والحسين
( عليهما السلام ) : اُوصيكما بتقوى الله ونظم أمركما (2) ، ومن علامة
النظم تقسيم أعمالنا ( لساعاتنا ) اليوميّة ، فإنّ العاقل الذي يضع
الأشياء في مواضعها ، فنظّم أمرك وحياتك لتنجح وتسعد ، فإنّ الوقت من
ذهب ، وإضاعة الفرصة غُصّة ، وقد فاز باللذات من كان منظّماً في حياته
وعيشه.
سابعاً :
الشروع في العمل من الصفر ، فإنّ أوّل الغيث قطرة ، وأوّل مسيرة ألف ميل
خطوة ، فإنّ العمل الناجح والعامل الناجح : من يبدأ من الصفر ومن الشيء
الضئيل ، فالنجاح حليف من كان له همم شامخة ، فإنّ همم الرجال تزيل
الجبال ، ونجح من خطّط في حياته ، يبدأ بالمسير الطويل بخطوة ، وهي من
أصعب الخطوات ، فإذا رفع القدم الأوّل ، فإنّ القدم الثاني يكون خلفه
بسهولة ، فيشرع من مكان صغير ، وعمل ضئيل ، ثمّ يواصل حتّى النهاية ،
راجع سيرة الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) وطالع حياة العظام لتقف
على ما أقول.
ثامناً :
عدم التقليد الأعمى والأصمّ ، فمن قلّد الآخرين من دون وعي وعلم ، فإنّه
لن ينال النجاح المطلوب ، فعليك أن تكون ذا فكر وقّاد ، وعمل مستقلّ ،
ولا تميل مع كلّ ريح ، ولا يحقّ ان ينعق الإنسان مع كلّ ناعق ، بل عليك
بكسب المعرفة والعلم ، ثمّ العمل بإيمان وصبر وحكمة وتمركز فكري ، ونظم ،
والشروع من النقطة ومن الصفر ، وإيّاك والتقليد المحض ، وكن خلاّقاً في
حياتك ، واسلك الطريق الجديد الذي لم يفتح ، كما فعل كبارنا ذلك ، فإنّهم
فكّروا أحراراً ، وعاشوا أحراراً ، وماتوا أحراراً ، قد خلقك الله حرّاً
فلا تكن عبد غيرك ، فإنّه لا يستحقّ الخضوع والخشوع والعبوديّة إلاّ الله
سبحانه وتعالى :
«قولوا لا إلـهَ إلاّ الله تُفْلِحوا» .
ومن الله التوفيق والسداد ، أي منك الحركة ومن الله البركة ، فاستعن
بالله عزّ وجلّ ، وقم وطبّق هذه العوامل الأساسيّة لتكون ناجحاً في حياتك
العلميّة والعمليّة ، فاستقم كما اُمرت